من
الأمراض الشائعة بين الناس ، والذي قلما نجد من عافاه الله تعالى منه ، هو
مرض المبالغة . وهو إضافة المتكلم بعض الأمور لقوله أو خبره .
]والذي يدعو الإنسان لهذا الأمر ، أعني إلى عدم النقل الدقيق أو التعبير الدقيق عما يريد تصويره لدى المقابل ، عدة أسباب ، منها
أولاً : اللامبالاة بحدود الكلام ، أي إنزال الكلام إلى مرتبة هي أدنى مما هو عليه ، أو قلّ أدنى من استحقاق الكلام من الاهتمام . وربما هذا بسبب الجهل بآداب الكلام .
]ثانياً :
عدم رؤية أو تصور عواقب ونتائج ما أضاف من مبالغات في كلامه . فلو أنه أدرك
من أن المحسنات – في نظره – التي أضافها لكلامه سترسم صورة في ذهن السامع
غير الصورة الحقيقية للأمر والتي ربما يبني عليها السامع أسس يسير عليها في
حياته ، خاصة إن كان المتكلم ممن يُسمع كلامه ، فلو أدرك المبالغ ما
لمبالغته من أثر فلربما تحرى الدقة في كلامه .
]ثالثاً :
وربما هو السبب الأكبر للمبالغة – حسب ما فهمنا من المبالغين – هو اعتقاد
المبالغ من أن نقل الواقعة كما هي فيه شيء من النقص ، فيحاول [ مشكوراً
سدّ ذلك النقص بتعظيم الواقعة أو تحسينها بالإضافات
رابعاً :
وقد يكون هو السبب الدافع . وهو محاولة إثارة السامع وشدّه إلى المتكلم ،
وبالتالي الإعجاب بالمتكلم نفسه . فهو يعود تحقيقاً إلى شعور المتكلم بنقصه
– وهو شعور حق – لكن محاولة سدّه بهذا الأسلوب هو من باب سد النقص بما هو
أنقص منه .هذا، وإن لهذا الأسلوب أو المرض من الأضرار المباشرة وما تترتب
عليه من آثار ، ما تودي بصاحبه إلى الهلاك من حيث لا يشعر . ومن هذا
الأضرار :
أولاً :
ما يتضرر به المبالغ نفسه ، وهو سقوطه من أعين الناس ، فإن ما أوهمته به
نفسه من أن مبالغته ستبلغ به معاقد قلوب الناس ، هو وهم محض وصورة خادعة
استدراجية ، لأجل إيقاعه بما يبعده عن الناس بل ورب الناس
ثانياً : من الآثار السلبية المترتبة على هذا الفعل ، هو ضياع الحقائق لما ترسمه المبالغة من صورة في ذهن السامع مغايرة للواقع ، وربما تصل درجة المغايرة إن ضُم إليها أسلوب المتكلم ودرجة استقبال السامع إلى مئة بالمئة
ثالثاً : إن المبالغة ليست بمرض مستقل يتوقف عنده المبالغ ، إنما هو حلقة استدراجية للتي تليها ، وهو باب الاختلاق وأعني به الكذب المحض . فتكون المبالغة مهيِأة ومسهِّلة لدخول باب الكذب المجرد الصريح
]ولا ينبغي أن نغفل من أن المبالغ مسؤول عن كل ما يترتب في ذهن السامع وما يؤسس عليه السامع من اعتقاد أو فعل جرّاء مبالغة المُخبر
]فينبغي على المتكلم أن يتحرى الدقة والحق في كل ما يصدر عنه ، قولاً كان أم حركة ، فإنه مسؤول .المبالغة في الكلام
]هذا ، وأن قول الحق هو من نصرة الحق تعالى ، فهل من ناصر؟.